نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

    محمد الهجابي في إصدار روائي جديد



    "حراس ابن خلدون"*
    تعرض رواية "حراس ابن خلدون"، آخر إصدارات محمد
    الهجابي، إلى فترة من تاريخ المغرب المعاصر من خلال تجربة
    فصيل من اليسار الجديد بالمغرب حمل اسم "حركة 23 مارس"
    إبان فترة العمل السري في سبعينات القرن الماضي، فاسم "منظمة
    العمل الديمقراطي الشعبي" إبان فترة العمل الشرعي القانوني في
    الثمانينات والتسعينات من القرن نفسه.
    وتوسلت الرواية لعرض مراحل من تطور هذا الفصيل
    السياسي بأفواج من المناضلين تداولت السكن بدار بعينها بحي
    الأطلس بمدينة فاس اصطلح على نعتها ب"دار ابن خلدون". إنها
    دار ليست، من حيث رمزيتها وذاكرتها التاريخية، كباقي الدور
    التي سكنها طلبة جامعة محمد بن عبد الله في مختلف الأحياء
    السكنية بفاس. قد نقول عنها إنها "دار استثنائية". ولقد سعت
    الرواية إلى مواكبة مسارات هؤلاء المناضلين، إناثا وذكورا، على
    امتداد عقدين من الزمن بنجاحاتها وإحباطاتها، وبعنف سياقاتها
    السياسية بخاصة وانفراجاتها أيضا سواء أثناء فترة الدراسة
    الجامعية أو بعدما مبارحة الجامعة إلى حياة مهنية وبناء أسرة
    والانتقال إلى مجالات لممارسة نضالية مغايرة.
    وشكلت هذه "المسافة الزمنية الافتراضية"، مدار هذا العمل
    السردي التخييلي، لتناول مرحلة من الصراع بين الحكم
    والمعارضة الديمقراطية المغربية من أجل إرساء أسس "الانتقال

    الديمقراطي" بالمغرب، أدلى فيها مناضلو هذا الفصيل بدلوهم فكرا
    وسياسة وتنظيما إلى جانب باقي القوى التقدمية والوطنية
    والديمقراطية.
    وبحسب تنبيه للمؤلف، فإن الرواية إياها لا تدعي التأريخ لفترة
    من فترات الواقع السياسي المغربي اتصف بما بات يسمى بمرحلة
    "سنوات الجمر والرصاص"، إذ هي مهمة موكولة لذوي
    الاختصاص من مؤرخين وباحثين، حتى وإن اشتغلت الرواية على
    الوثيقة المكتوبة بخاصة، بقدر ما يحاول هذا العمل السردي
    التخييلي المشاركة في ملء "فراغ" روائي في هذا المستوى بالذات
    على هدى عمل روائي سابق للكاتب حمل عنوان "بيضة العقر"
    (2015)، وفي ضوء اهتمام للكاتب بهذه المرحلة التاريخية من
    تجربة اليسار المغربي بعامة وتجربة "حركة 23 مارس" بخاصة.

    جاء في تعليق للهلالي، أحد شخوص الرواية، ما يلي: «أيكون
    سكان هذه الدار ممن خلد المخلوفي أسماءهم بذكره الدار، قد خلدوها، هم
    بدورهم، بأثر الأطياف والأنفاس والأصوات التي تزاحمت بين حيطانها
    وبمضاجعها، فجبوا ما قبلها من معالم ومطارح، وصاروا لها، بالتالي، حراس
    مقام وأبدال مزار، وصارت لهم، من جانبها، حاضنة أسرار وكاتمة أخبار
    وموضع أختام؟ وهل دخلوها ولم يخرجوا منها حقا مثلما تشير إلى ذلك المعاجم
    المفسرة؟
    أسوق هذه الشوارد دون أن أجزم بيقين. بل الرأي عندي، في تواضعه الجم، أن
    هذه الدار التي اصطفاها صديقي العزيز أحمد المخلوفي، دون سائر الدور التي
    عاقر، وخصّ بها هذا المتن، إنما فعل لكي يقول لنا إن الحيوات التي عمرت بهذه
    الدار، ضمن سياق سياسي وتاريخي معلوم، لا تمثل الدار بما هي دار، أي بما

    هي مكان فحسب، بقدر ما ومأت إلى حراك من البشر شملها لسنوات ومنحها
    سيرة سارت بها ألسنة الأقربين والأباعد. ومن هنا، ففرادة هذا المكان بالذات هي
    من الرأسمال الرمزي لذاكرته.»
    * صدرت الرواية عن دار القلم بالرباط شهر فبراير 2024 في
    قطع متوسط وفي نحو 350 صفحة. ومن بين إصدارات محمد
    الهجابي نذكر: • زمان كأهله (رواية)، 2004 • بوح القصبة (رواية)، 2004 •
    موت الفوات (رواية)، 2005 • كأنّما غفوت (قصص)، 2007 • إناث الدار
    (رواية)، 2011 • قليل أو كثير أو لا شيء (قصص)، 2013 • بيضة العقر
    (رواية)، 2015 • نُواس (قصص)، 2015 • زنبركات (قصائد نثرية)، 2016•
    لك ولهم (قصائد نثرية)، 2016• لغوٌ سائرٌ بيْننا (قصص)، 2021 • المالغيقراط
    (رواية)، 2023..

    العوسج رواية صدرت حديثا عن دار الأدب العربي للكاتبة السعودية الجوهرة الرمال



     صدرت روايةٌ جديدة للروائية السعودية الجوهرة الرمال بعنوان “العوسج”، وهي صادرة عن دار الأدب العربي، علماً بأنّ ‏عنوان الرواية نسبة لشجرة العوسج وفقاً للأسطورة، وهي شجرة تسكن تحتها قبيلةٌ من الجان، وتُسمّى في بعض الدول العربية “الشجرة الشيطانية”. ربما تبقى مجرّد أسطورة ولا علاقة لها بالواقع، لكن تم توظيفها بطريقةٍ تخدم فكرة الرواية.

    ‏بطل الروايه جبران الذي أصيب بلعنةٍ جعلته مصاباً بالأرق وتدفعه كلّ مرّة لاختيار ضحية لقتلها لينعم بعدها بنومٍ هادئ لمدّة أشهر، وأول ضحاياه هي أمّه، حتى تظهر كمد وهي جنية من قبيلة غيلان المعروفة بسيادتها وقوتها لتدلّه على شجرة العوسج ليتخلص من هذه اللعنة.

    الجوهرة الرمال روائية سعودية شابّة أصدرت ست روايات: “حب في غفوتك الأخيرة” (2015)، “أنا قبل كل شيء” (2017)، “ركض الخائفين” (2018)، “لي أنا أولاً” (2019)، “ورد” (2021)، “لقد وصلت إلى وجهتك” (2021)، وترجمت رواية “أنا قبل كل شيء” إلى لغاتٍ عدّة وبيعت منها 40 ألف نسخة.


    رأي وموقف : عن عاطف أبو سيف هذه المرة فراس حج محمد/ فلسطين

    في منشور قصير يكتبه بشير شلش في حسابه على الفيسبوك، يهاجم فيه عاطف أبو سيف، كاتباً ووزيرا للثقافة الفلسطينية. سبب هذا الهجوم ما نشرته دار نشر يصفها شلش بأنها "صهيونية" إعلانا عن صدور رواية "مشاة لا يعبرون الطريق" مترجمة إلى اللغة العبرية. تقول الدار  عن نفسها أنها لا تترجم كتابا دون إذن، ودون اتفاق مسبق مع الكاتب، يعني ذلك أن عاطف أبو سيف الوزير والكاتب الروائي في ورطة كبيرة، يصفها شلش بأنها خطوة تطبيعية.

    تبدو رواية أبو سيف مهمة بالنسبة لدار النشر، كون كاتبها من غزة، وتتحدث عن وضع غزة، فوضعت الترجمة في هذا السياق الدعائي الصهيوني الذي يخدم الحرب على قطاع غزة، فجاء على الموقع الإلكتروني للدار "في أول رواية غزية تترجم إلى العبرية، تتحدث عن الحياة في غزة من منظور رائع ومثير للدهشة".

    لا أظنّ أن أبو سيف في وضع يحسد عليه، لقد جاء الإعلان عن ترجمة الرواية في ظروف صعبة، ووصلت حالة التوتر والغضب الشعبي إلى أقصى مدى، بعد عمليات القتل الصهيوني للشباب والأطفال، وحصار المدن، وإجراءات سياسة جز العشب التي ينتهجها قادة الاحتلال، حيث القتل المستمر ببطء، ودون إحداث ضجة كبيرة، محدثة حالة من استنزاف الدم المتواصل يومياً، وما يتبعها من اعتقالات، ومضايقات من أفراد العصابات الصهيونية المجندة، ومن أفراد المستوطنين المسلحين المعربدين في كل نقاط التماس وعلى الطرقات. إن هذا الكيان الغاصب يشن حربا شاملة علينا لكن دون أن يعلن ذلك صراحة، لكن أفعاله وجرائمه على أرض الواقع تقول ذلك ببلاغة شديدة الوضوح.

    هذه الحالة التي خلقها الاحتلال لم تجد لها نصيرا حقيقيا من السلطة الفلسطينية، بل إن محافظ نابلس أدلى بتصريحات معيبة في حق أمهات الشهداء، ووصفهن بالشاذات، وبذلك فإنه يعبّر بلا أدنى شك عندي عن موقف المتنفذين في السلطة من قادة الأجهزة الأمنية والسياسية.

    جاءت رواية عاطف أبو سيف ليعبر فيها طريقا شائكاً، وفي غير محله، ويجلب له الكثير من الوجع، ويصيب عمله الثقافي العام في مقتل، إذ ترفع وزارة الثقافة التي يعتلي كرسيها منذ سنوات شعار "الثقافة مقاومة"، فكيف سيقاوم أبو سيف وهو يوافق على ترجمة الرواية إلى العبرية من دار نشر تغذي النزعات العدائية بالأدب، وهو عينه ما تقوم به المؤسسة الصهيونية في كلاسيكيات أنشطتها واستراتيجياتها.

    على السلطة الفلسطينية التحقيق في المسألة، وعليها أن تضع النقاط على الحروف، وتجلّي الأمر برمته، وتقطع الشك باليقين، وتتثبّت من أنه فعلا قد وافق أبو سيف على ترجمة الرواية وطباعتها في هذه الدار ذات التوجه العدائي الذي يعادي وجود الشعب الفلسطيني، ويضرب نضاله وحركته المستمرة للتحرر والتحرير، وإن ثبت فعلا تورطه لا يُكتفى بإقالته، بل محاكمته، لأنه يعزز من منظور ما الرواية الصهيونية بدعم سياستها، ويكون قد خان الوطن والمبادئ التي أقسم عليها. فلا يجب أن ينظر إلى أبو سيف على أنه كاتب أخطأ، بل لا بد من أن يعامل معاملة مسؤول أجرم وخالف ما هو مكلف فيه من أصله، إنْ فعلا ثبتت موافقته على الترجمة، هذا إن كانت السلطة جادة في تحقيق الرواية الفلسطينية وتعزيزها كما تدعي بخطابها المعلن، وكذلك إن لم تسع حركة فتح- كون أبو سيف أحد أعضائها- من التغاضي عن الموضوع واستتفاهه، والتجاوز عنه ليمر بسلام كأن شيئا لم يكن.

    كما أنّ على اتحاد الكتاب الفلسطينيين أن يستنكر هذا الفعل الحرام الذي يقوّض "الرواية الفلسطينية" ويصدر بيانا واضحاً وهذا أقل المفروض عليه، ويطرد أبو سيف من عضويته، ومقاطعة وزارة الثقافة ما دام فيها، بل عليها تدشين حملة من الكتاب والمثقفين لنزعه عن كرسي الوزارة. وألا يتم التهادن مع هذا المسألة الخطيرة، مع أنه في غالب الظن ستكون قيادة الاتحاد أجبن من أن تتخذ مثل هذا الموقف العملي، فهي لا تتقن إلا صياغة العبارات الإنشائية الخاوية من المعنى، يحسبها الظمآن ماء فإذا هي سراب محض.

    كما يجب على الكتاب جميعا اتخاذ موقف حازم من أبو سيف في حال ثبت تورطه في هذه المسألة، ولا يصح أن نتعامل مع المسألة بالمصلحة الشخصية، فثمة قضية كبرى رضي المثقفون بحملها، وهي حراسة الوعي، فليكونوا إذن على قدر هذا الحمل.

    لا يكفي أن يتحدث بشير شلش بهذه القضية وحده، بل هذا واجب علينا جميعا، ومن مهامنا الوجودية ما دمنا مشاة نعبر الطريق إلى فلسطين المحررة، وليس على متن رواية ترجمت إلى العبرية.

    وأخيراً، هل أبدو قد شخصنتُ الموضوع أو بدوت "فجاً" "ساذجاً" وأنا أكتب عن هذه القضية، كما ستتهمني واتهمتني سابقاً كاتبة "جبانة" فليكن، ولنكن كلنا غير مهذبين أيضا في موضوع وصف بأنه "آخر حصوننا"، فلا بد أن ندافع بشراسة عن ثقافتنا بوصفها آخر تلك الحصون قبل أن تنهار. ألا يستحق الأمر شيئاً من هذا برأيكم؟ وهل يمكن للأشخاص أن يكونوا بمنأى عن مثل هذا؟ بل إن أشخاصهم مدانة ومجرّمة، فكيف سنفصل الشخص عن فعله وقوله، وخاصة في مثل هذه المواقف التي لا حل فيها سوى الوضوح والحدة والشراسة.

    صدور ديوان على حافّة الشعر: ثمة عشق وثمة موت

    صدر للشاعر الفلسطيني فراس حج محمد في ألمانيا عن دار بدوي للنشر والتوزيع لصاحبها الأديب والأكاديمي السوداني د. محمد بدوي مصطفى ديوان "على حافّة الشعر: ثمة عشق وثمة موت"، ويقع الديوان في (246) صفحة، وتصدّرت غلاف الديوان لوحة للفنان التشكيلي السوداني محمد العتيبي، ومن تصميم الفنان بكري خضر.

    قدمت للديوان الشاعرة والروائية هند زيتوني، واصفة قصائد الديوان بأنها "إنسانيّة محمّلة بالجمال تارة والوجع تارةً أخرى". إضافة إلى "جمال اللغة وتفرّدها وجرأة الطرح والتعابير. وخاصّة في قصائده عن الحبّ والمرأة".

    لقد تنوعت قصائد الديوان بين الشعر المقفى الموزون وشعر التفعيلة، وقصيدة النثر، وجاءت معبرة عن كثير من القضايا المعاصرة، والهمّ الذاتي، ضمن منظومة أكبر هي منظومة العالم بكل ما فيه من أفكار وأشخاص وتشابكات وتعقيدات، وتوزعت في خمس مجموعات، جاء أولها تحت عنوان "في رعشة الريشة"، وضم (6) قصائد، يتحدث فيها الشاعر عن الشعر والإلهام، ثم مجموعة من القصائد القصيرة تحت عنوان "مُنَمْنَمات"، وضم (21) قصيدة، تناول فيها الحديث عن قضايا فكرية وجمالية وأسطورية.

    أما المجموعة الثالثة فجاءت تحت عنوان "إلّلات: محاولة جمع"، وكل هذه القصائد البالغ عددها (40) قصيدة يهديها إلى أصدقائه وإلى مجموعة من الكتاب والشعراء قديما وحديثا وإلى شخصيات عربية وأجنبية، وإلى بعض النساء، فذكر أسماء بعضهنّ، واكتفى أحيانا بالإشارة إلى بعضهنّ بذكر حرفين من أسمائهنّ أو بوصف ما يعطيه لإحداهنّ، كما ضمت هذه المجموعة بعض القصائد التي كتبتها شاعرات للشاعر حج محمد، وتمتد هذه "إلّلات" إلى قصائد خاصة يوجهها "إلى امرأة كانت هنا- امرأة عبرت دمي"، وبلغ مجموع هذه القصائد (10) قصائد، ثم مجموعة أخرى موجه لامرأة أطلق عليها اسم "صوفي"، وبلغت (15) قصيدة.

    وجاءت المجموعة الرابعة تحت عنوان "في مديح النهد"، واشتمل على (8) قصائد، وأما المجموعة الخامسة والأخيرة فضمت (16) قصيدة تحدث فيها الشاعر حول الهواجس الذاتية والعامة خلال الحجر الصحي في فترة انتشار فايروس كورونا، ولذلك فيعنون الشاعر هذه المجموعة بــ "في حبسة الكوفيد التاسع عشر".

     

    وديوان "على حافة الشعر: ثمة عشق وثمة موت" هو الديوان الثامن للشاعر فراس حج محمد، والكتاب الخامس والعشرون، بعد مجموعة من الكتب السردية والكتب النقدية، وسيكون الديوان ضمن إصدارات "دار بدوي للنشر والتوزيع" في معرض الكتاب الدولي في مدينة فرانكفورت الذي تنطلق فعالياته يوم 19 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي وتستمر حتى 23 من الشهر نفسه.

    قراءة في رواية "منّ السماء/ للكاتبة غصون رحال حبّ وحرب صفاء أبو خضرة ... الأردنّ

    في روايتها "منُّ السماء" تمارسُ غصون رحال سطوتها الأدبية في سردٍ يُمعِن بالتفاصيل الدقيقة، تفاصيل الأمكنة، وتنقُلها من مكان إلى آخر، ومن حدث إلى آخر أيضاً في وصفٍ يكادُ يكون تصويرياً؛ كأنّ قلمها كاميرا توثيقية، تدخلنا في حكايات تلمس واقعاً مغموساً بالفوضى العارمة التي يعيشها العالم، من حروب واقتتال ومجازر وعذابات وهتك الخصوصيات واقتلاع الحقوق من أصحابها وكذلك الأرواح، تشيحُ الستارة عن كذبة السلام العالمي، وأنّ الحرب ما هي إلا نار ستزحفُ صوب العدالة أينما تكون "كم قتيل وذبيح ينبغي أنْ نحصيَ قبل أنْ يتغيّر العالم؟"

    ويبدو أن الكاتبة أسقطتْ مهنتها كمحامية في الرواية من حيث موسوعية الأفكار وطريقة طرحها وانتقادها للأحزاب والتنظيمات، ولا تخلو طريقتها في السرد من انتقادات لاذعة تشي باحترافية الفكرة ونمذجتها بحيث تخدم الموضوع...كما دمجتْ (فانتازيا) ظاهرة في كثير من مقاطع العمل، وظهر ذلك في مقطع "بعض الحِيل السحرية التي تـُمكّنني من خلع رأسي ووضعِه جانبًا، قبل الذهاب إلى النوم".

    وإذا ما التفتنا إلى العنوان سيتبادر إلى أذهاننا مباشرة الحلوى التي اشتُهرت بها العراق "منّ السلوى"، وإذا ما عدنا الى كلمة "منّ" بتشديد النون فهي تعود إلى "الهبة أو النعمة"، فلماذا اختارتْ هذا العنوان؟ربما أرادتْ الكاتبة أن تسقط أمنيتها بزوال الحروب والآلام وسنعرف ذلك من خلال حواراتها عبر شخصية "عهد" الناشطة السورية في مجال حقوق الإنسان واللاجئين وضحايا الحروب، خاصةً مع مديرها أو حتى في الأحلام التي راودتها في مشاهد فانتازية وغرائبية، وربما أرادتْ أن تبتعد عن التشاؤمية التي تسرّبت من ثنايا أحداث الرواية، لأننا ببساطة أمام رواية واقعية، رواية تُشبه المرآة التي تعكس ما نعيشه منذُ سنوات خاصةً في عالمنا العربي.

    وفي إسقاطٍ آخر في هذه الشخصية عندما عاشت حالة من الانفصام على الصعيد الشكلي أو الجسدي عندما كان يضع والدها الهرمونات خفية في طعامها ما أثر ذلك على أنوثتها، فهي لم تعشها كما أرادت، وأنّ أغلبية الرجال الذين تعاملوا معها، كانوا يعتبرونها رجلاً مثلهم، لكنها من داخلها المتألم من تلك الحالة، حلمت بالقبلة، والعلاقة مع الآخر كعلاقة طبيعية، تنشأ بين ذكر وأنثى، وهذا الإسقاط له تداعيات تشبه تداعيات الربيع العربي، اختلاف هوية الثورات واشتعالها على أنها ربيع بينما في الواقع تحوّلت إلى خراب عربي.

    تعجّ الرواية بالنقد اللاذع لكثير من التنظيمات السياسية والحكومات وسياساتهم، وحتى الانقسامات العربية والمحلية والإيدلوجيات، وكذلك للأمم المتحدة ومنهجيتها المتبعة. فمثلاً على لسان هاني تقول: "مشكلتنا دائماً مع مسؤولي البعثات السياسية في الأمم المتحدة يا كارمن، فهم مصّرون على جعل حقوق الإنسان كبش الفداء، لتمرير مصالح سياسية". وفي مقطع آخر: "الغريب أن مجلس الأمن لا ينعقد إلا عند استعمال السلاح الكيماوي، وكأن القتل بسلاح آخر مباح!".

    تأخذنا الكاتبة في جولة مع عدد من أبطالها وبطلاتها في بلدان متعددة من العالم الذي شهد أحداثاً و حضوراً  لتنظيم "داعش"، وألقت الضوء على جرائمهم، وخاصة في كردستان حيث اتّخذت النساء سبايا، حسب قولها وممارسات وحشية لا علاقة لهم بالإنسان والإنسانية، وليست مجرد أخبار وقصص مثيرة نسمع بها عن بعد. "الدواعش الكلاب أحرقوا تسع عشرة امرأة إيزيدية، وهنّ على قيد الحياة في مدينة الموصل، لأنهنّ رفضن أن يكنّ جواري عند مُسلّحي التنظيم".

    ولم تنس رحّال أن تلقي الضوء على القضية الفلسطينية؛ بحكم أنها قلب الصراع من جهة، وبحكم أصولها الفلسطينية، ابتداء من مخيم اليرموك في سوريا، وما حلّ به وبأهله من قتل وتدمير وتشتيت ومن غزة والمعابر والنزاع والانقسام الداخلي، وحتى بدايات الثورة الفلسطينية والشرخ الذي ساهم في انهيارها في مرحلة ما.

    وأعتقد أن الكاتبة هي الأولى- عربيا- من ألقت الضوء على عمل موظفي مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان من خلال أبطال العمل من حيث العمل الميداني والمكتبي، وبينت الضغوطات والهواجس والخطورة التي يتعرضون لها، فيما إذا كانت تقاريرهم لا ترضي الساسة، وربما أشخاص أقل نفوذا ما يجعلهم عرضة للرشوة أو الابتزاز، وما إلى غير ذلك من طرق غير شرعية تصب في نهاية المطاف إلى طمس الحقائق وتزييفها لصالح السياسة العامة عندما تتحول في كثير من الأوقات إلى موضة تتجدد حسب آخر صيحة.

    الرواية مليئة بالأحداث والأماكن والتاريخ، أقول أخيرا: إنّ غصون رحال أثقلت كاهلنا عندما جمعت كلّ عذاباتنا في رواية... هذه الرواية.


    صدور الرواية الثانية للكاتب السوري عواد جاسم الجدي

    صدر مؤخراً عن دار Inter Assist الألمانية الرواية الثانية للكاتب د. عواد جاسم الجدي (صداع في رأس الزمن). جاءت الرواية في (378) صفحة من القطع المتوسط، وتدور أحداثها في ريف الفرات الشرقي، وتتمحور على طريق الهجرة الواصلة بين مدينة الأحقاف على ضفة الفرات اليسرى وجمهورية ألمانية الاتحادية التي قصدها مئات الآلاف من السوريين؛ هرباً من براميل الموت وحمم الدمار والقتل التي توزعها (طائرات الوطن) بالتساوي إذ لا فرق بين إنسان وحيوان، طفل أو امرأة أو شيخ عجوز (في سوريا غير المستثناة).

    تتخذ الرواية بعدا توثيقيا، إذ جسدت بأحداثها المختلفة معاناة شعبٍ، أشعلت وسائل التدمير الوطنية والغازية النار فوق حياته وحضارته لا فرق بين مركز ثقافي أو مكتبة، فرن أو مدرسة، كنيسة أم مسجد. وأبرزت الرواية معاناة الهجرة والطريق الطويل بين الأحقاف وميونيخ مروراً بثلاثيتها المقدسة (الليل، البلم، البحر).

    صداع في رأس الزمن، جسدت نوعاً جديداً من الشيزوفرينيا الإنسانية، إنها (التربلفرينيا) الروائية أن يجتمع ثلاثة أشخاص في شخص، يبقى الطفل جميل العينين رغم الحزن الذي يسكنهما فلا يترك وطنه ولا يرحل، ويهاجر أسامة ابن الجرف مكرهاً يرافقه (البويهيمي الرمادي) الرفيق المناضل يسدي له النصح ويزين له العودة لحظن الوطن الذي لازال دافئاً، وبعد مفاجأتين من العيار الثقيل لا يحتمل أسامة هول الصدمتين فيقرر العودة.

    ترى ما الذي حدث ليقف البويهمي الرمادي عند المعبر بجانب الجدار الإسمنتي الكبير الذي شيده الأنصار خوفاً من تدفق المهاجرين؛ ليمنع أسامة من العودة إلى الفرات والضفاف والتفاصيل التي تجذرت في داخله ولم ترحل؟

    رواية "صداع في رأس الزمن" التي لم تنته، وصفت بأنها: "وثيقة تاريخية لأجيالٍ تعرف أنها من سورية، لكنها لم ترَ ذلك الوطن، عالج فيها الكاتب قضايا الوطن و صوّر فيها مراحل الشقاء بدءاً من الخروج من حدود الوطن، إلى المعاناة في تركيا، وطريق الوصول إلى بلاد الألمان، وما في هذه الرحلة الطويلة من شقاءٍ إن بحراً وإن براً، كما رسم لنا عقلية الشعب الألماني وطريقة تفكيره، وجاء كلُّ ذلك بحبكة رائعة أحسن فيها رسم الشخصيّات، وصنع الحدث، وقوة الحوار ومنطقيته".

    ولم أجد لقباً أطلقه على كاتبها أفضل من أن يوصف كاتبها بأنها غابرييل ماركيز العرب، فهذه الرواية ملحمة اجتماعية سياسية وطنية، لكنها بالدرجة الأولى ملحمة للرحيل والحب.

    أكراد في السجون الكردية: كرد يسجنون الكرد

                                                  أكراد في السجون الكردية: كرد يسجنون الكرد

    صدر مؤخراً للباحث الكردي المقيم في ألمانيا حسين جلبي كتاب جديد، يتناول شهادات واعترافات لعشرة معتقلين كرد في سجون الاتحاد الديمقراطي بعنوان: "أكراد في السجون الكردية" عن دار نرد للنشر والتوزيع في 200 صفحة من القطع الوسط، وبطباعة أنيقة، وهو الكتاب الرابع في سلسلة كتب الباحث عن كرد روج آفا خلال سنوات الثورة السورية،  وسلب إرادة كرد سوريا من قبل حزب العمال الكردستاني، إذ إن الباحث جلبي أحد الكتاب الكرد الأكثر جدية في تناول معاناة كرد سوريا في ظل من يعدون أخوتهم من الاتحاد الديمقراطي الجناح العسكري والسياسي لحزب العمال الكردستاني ب ك ك ، إلا إنهم جعلوا من كرد سوريا معبراً لأجندات خاصة بهم، وإن استغلوا دماء هؤلاء، إذ إن قلة من الكتاب الكرد ومن بينهم الباحث جلبي واجهوا هؤلاء بجرأة، بعيداً عن أية عاطفة، رغم أن بعض الكتاب الكرد لما يزل غير قادر على التخلص من ربقة عاطفته.

    يهدي الكاتب كتابه "إلى الذين كسروا صمت السُّجون الكُرديّة، فكان هذا الكتاب الذي أزاح الغبار عن بعض قضبانها، وإلى الذين غابوا دون أثر في غياهب تلك السُّجون، وما زالت أرواحهم تبحث عن طريق العودة، وإلى أرواح الذين فقدوا حيواتهم في تلك السُّجون، وكل من يعمل على تحقيق العدالة لضحاياها".

    يدحض الباحث وهم أخوة مستلب إرادة ذويه، ومن واجههم بالأسر والسجن والتغييب وامتصاص الخيرات بل والدماء من أجل محض أوهام. ومما جاء في مقدمة الكتاب التي تبين عالم هذا المبحث الأكثر أهمية:

    ليس مستغرباً وجود معارضين في سجون السلطات الحاكمة، في البلدان غير المستقرة، طالما أنَّ الاحتفاظ بالسلطة فيها يتم بالقوة، ويحسم انتقالها نتيجة الصراعات الدموية بدلاً من صناديق الانتخاب. لكن وجه الغرابة بالنسبة للكُرد في سوريا، الذين عانوا من عدم الاعتراف بهويتهم منذ تأسيس البلاد قبل قرن من الزمان، ومن حرمانهم من أبسط وسائل التعبير عن أنفسهم، وعدم منحهم أدنى أشكال إدارة شؤونهم، هو أن بناء السُّجون الكُرديّة وزج الكُرد فيها، سبق الإعلان عن أول إدارة باسمهم من قِبل حزب العمال الكُردستاني، وقَبل تقديم القائمين على تلك الإدارة أية خدمة لهم، درجة أن البيوت الواقعة على أطراف المدن الكُرديّة وفي قراها البعيدة، وحتى بعض الكهوف في جبالها النائية، بالإضافة إلى مقار التدريب العسكري السريّة التي أخذت بالتكاثر، استخدمها الحزب مراكز احتجاز وإخفاء وتعذيب للكُرد، قبل أن تبدأ الإدارة الحكومية السورية بالتراجع في المناطق الكُرديّة السوريّة إبّان الثورة على نظام الأسد، هذا قبل أن يستلم الحزبُ المنطقةَ وبعض سجونها من النظام، ثم يسارع إلى بناء أُخرى بعد إطلاق تسمية روجآفا عليها، وإعلانه عن الإدارة الذاتية الديمقراطية فيها، بعد ازدياد أعداد المعتقلين لديه، بما يفوق الطاقة الاستيعابيّة لمراكز الاحتجاز العشوائية والسجون القائمة، خاصةً بعد أن أضافت إدارته تهماً جديدة إلى تلك التي كانت توجَّه للكُرد عادةً، اختلقها على مقاس سياساته القائمة على الاستفراد بالسيطرة على المنطقة بأيِّ ثمن.

    ظهر مصطلح (الأكراد في السُّجون الكُرديّة) لأول مرة في سوريا، في التظاهرة التي شهدتها مدينة القامشلي في السادس والعشرين من آذار 2013، بدعوة من إئتلاف حركات شبابية يُطلق على نفسه (كلّنا لمناهضة الخطف)، للاحتجاج على تصاعد عمليات الخطف والاحتجاز والإخفاء والضرب بحقّ ناشطي الثّورة من الكُرد، التي وقف حزب العمال الكُردستاني وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي مع أذرعته العسكرية والأمنية وحتى المدنية وراءها. توجهت تلك المظاهرة نحو منزل الشّاب أحمد فرمان بونجق، الذي اختُطف على أيدي مجموعة ملثّمة، تبيّن بأنّها تابعة للحزب، ثم جرى قتله في وضح النهار بعد وقت قصير من الإفراج عنه، وأصبح المصطلح متداولاً على نطاق واسع، مع ازدياد أعداد النشطاء الكُرد في سجون الحزب، خاصةً بعد رفعه في المظاهرات التي جرت بعد ذلك بأيام، وأوسعها تلك التي شهدها حي العنترية من المدينة، والتي حوّلها منظموها إلى (اعتصام تضامني مع المختطفين الكُرد في السّجون الكُرديّة)، في إشارة إلى النّاشطين الكُرد المحتجزين في معتقلات حزب الاتحاد الديمقراطي.

    إن قصص الاختطاف والاحتجاز والتعذيب التي يتناولها هذا الكتاب، هي لكُرد ناجين من سجون حزب العمال الكُردستاني، تحدّث أصحابها عبر مقابلات حصريّة أجريتها معهم، عن بعض ما جرى لهم وهم تحت وقع صدمة مضاعفة، بسبب اعتقاد كثيرٌ منهم حتى لحظة اعتقاله، بوجوده بين أيدي كُردٍ مثلهم، أخوةٌ لهم، كانوا معاً ضحايا سياسات طويلة من القمع والإنكار القومي، دفع وقعها الثقيل وضياع الأفق واليأس كثيرين إلى تمنّي أيّ شكل من أشكال الحقوق، حتى إذا كانت في صورة سجّان كُردي وعلى يديه، توهّموا بأنّه سيعمل على رفع الظلم والإنكار عنهم، وتحقيق حقوقهم القومية وحتى أحلامهم الشخصية، هذا قبل أن تعيدهم صنوف التعذيب التي مورست عليهم إلى الواقع الذي يقول: إن سجّان البيت يعاني من الأميّة القوميّة ولن يكون بالتالي المُحرِّرَ من العدو الخارجي، ذلك أن ما تعرضوا له في سجونه تجاوز ما شهده بعضهم، أو علموا بوقوعه للكُرد في أقبية أجهزة مخابرات تعاديهم، وقد عزز مثل هذا اليقين، اختفاء آثار بعض المحتجزين إلى الأبد، وتوالي ظهور صور آخرين قُتلوا تحت التعذيب في سجون الحزب، والذين كانت روايتهم الوحيدة عما تعرضوا له، هي آثار التنكيل الذي ظهر على جثثهم، ولعل قصة الشاب حنان حمدوش من عفرين، والذي سُلِّمَتْ جثّتُه المشوّهة في اليوم التالي لعرسه، والشاب أمين عيسى من الحسكة، وهو والد طفلين، استخدم الحزبُ تقاريرَ طبية كاذبة لإنكار ما ظهر على جثته من آثار تعذيب وحشي، هما مثالان على مئات حالات القتل، وما يمكن أن يكون تعرض له مخفيون قسريون على أيدي الحزب.

    يضمُّ هذا الكتاب بين دفتيه، عدداً من قصص التعذيب الذي مارسه حزب العمال الكُردستاني على عددٍ من الكُرد، من بينهم نشطاء ثوريون وإعلاميون وسياسيون وعسكريون، لها طابع توثيقي مثلما هو قصصي، يروي فيها الضحايا، وبعضهم ممن لا يزال حريصاً على إخفاء هويته، علماً أن المطاف انتهى بمعظمهم إلى خارج البلاد، ما تعرضوا له خلال احتجازهم في معتقلات الحزب، في بدايات سيطرته على المناطق الكُرديّة السّورية، وبعض وسائل التعذيب التي استخدمها عليهم، ويُعتبر الكتاب بذلك صورة لأحد الجوانب المسكوت عنها في الوضع الكُرديّ، وأبعد من ذلك، وثيقة عن الانتهاكات التي تعرض لها الكُرد بأيادي كُرديّة.

    إن دوري وأنا أستمع إلى القصص المرعبة الواردة في الكتاب، وأشكر بالمناسبة أصحابها على الثقة التي منحوها لي، وقلوبهم الكبيرة التي فتحوها رغم الآلام التي تعتصرها، لم يكن سوى تدوين الشهادات التي قدموها، والتي تُبيّن شجاعتهم في مواجهة ما جرى لهم، رغم صعوبة التجربة التي مروا بها، وما فيها من لحظات ضعف إنساني، وربما ساعدهم في ذلك بالإضافة إلى إرادتهم، كون الحزب في بداياته وقتها، ولم يكن ذهب في تعامله إلى أقصى الحدود بعد، حسبما يستدل عليه من الشهادات، بل كان يهدف إلى التهويل، لتخويف الضحايا وتحييدهم وإخضاعهم، وحتى محاولة تجنيدهم في صفوفه.

    ويذكر أن لوحة غلاف الكتاب للفنان ديلاور عمر، والغلاف من تصميم فايز عباس.

    مقداد مسعود : (سبعة أصوات) للروائي محمد عبد حسن

    عن دار أمل الجديدة/ دمشق، ومنشورات عبد الكريم السامر: العراق – البصرة: صدرت (سبعة أصوات) الرواية الجديدة للقاص والروائي محمد عبد حسن. وهي التجربة الروائية الثالثة.. الأولى كانت روايته (سليمان الوضاح) الفائزة بالجائزة الثانية في 1996 مسابقة رابطة الكتّاب الأردنيين/ لغير الأعضاء. و(خرائط الشتات) هي الثانية/ دار ضفاف – بغداد – الشارقة في 2014. وله في القصة القصيرة (الطوفان وقصص 


     

    صدور كتاب جديد للأديب المغربي الدكتور مبارك ربيع بعنوان المدرسة والذكاء / عبده حقي

    صدر للأديب المغربي والباحث في علوم التربية والتعليم الدكتور مبارك ربيع كتاب جديد موسوما ب "المدرسة والذكاء " ومما جاء في كلمته على ظهر الغلاف : يتبلور التوجه في العمل على بناء الذكاء، باعتباره جملة التجليات الإنسانية الذهنية الحركية الوجدانية عبر كل ما يقدم للمتعلم أو ياتيه من فعالية تعلمية بدون ستثناء، بإشراكه ومشاركته حصريا بما يعني أن كل لحظة مدرسية، تمثل مكسبأ تعلمية، أي تقدم في نوعية في ارتقاء الذكاء، لا مجرد أن يكون في مستواه فحسب، فأحرى أن يقل عن ذلك








    نسوة فراس حج محمد في المدينة غير الفاضلة / هيثم جابر/ سجن النقب الصحراوي

    منذ أن تعرّفت على صديقي الأديب الناقد والشاعر والباحث فراس حج محمد، وأنا لا أوفر فرصة اصطياد كتبه وقراءتها بتمعن وروية واستمتاع. أرسل جنودي وعسسي ورجال مخابراتي الثقافية والأدبية والفكرية في كل مكان وفي كل اتجاه للبحث والتنقيب عن كتابات فراس حج محمد، حتى تعرفت عليه وتشرفت بمعرفته فوفر ذلك علي عناء مطاردة كتبه في المكتبات ودور النشر.

    بت أطلب مؤلفاته منه شخصيا إذا ما قام وأصدر مؤلفاً جديداً، وفراس ذو باع طويل وصبر كبير على جلد الكتابة وإصدار المؤلفات القيمة التي أضافت وتضيف الكثير للثقافة العربية عامة والفلسطينية خاصة.

    قرأت الكثير من مؤلفات الأديب الكبير فراس بمتعة كبيرة، ولا أبالغ إن قلت إنها أنارت لي شمعة جديدة في ظلمة السجن، وزودتني ببعض الدفء خلف جدران الصقيع، وفتحت مداركي على عوالم كنت أجهلها، اتفقت معه في الكثير مما قرأت له من مؤلفات، وعارضته في أخرى، وإذا ما عارضته في فكرة ما، أو نص ما، أو مضمون أحد هذه الكتب، كنت أبادر بالتواصل معه ومناقشته فيما عارضته، وهو بدوره كان يتقبل نقدي وملاحظاتي بصدر رحب وروح رياضية عالية، وأرجو أن يتسع صدر صديقي الكاتب الكبير فراس حج محمد لرأيي وما سأسجله هنا في مؤلفه "نسوة في المدينة" الذي تناول العلاقات غير المشروعة في الوسط الأدبي والثقافي في العالم الافتراضي، خاصة على صفحات الفيسبوك، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي.

    في الحقيقة شعرت أن هذا الكتاب مختلف تماماً عن مؤلفات الأستاذ فراس حج محمد، لم أشعر بتلك المتعة المعهودة التي كنت أشعر بها وأنا أطالع كتبه السابقة من نقد أو شعر أو نثر.

    بدا لي أن هذه القصص كان فيها شيء من المبالغة في الوصف والتفصيل بطريقة تثير الغرائز والشهوات، وخاصةً أعضاء المرأة التناسلية ومفاتنها، ووصف بعض العلاقات والممارسات المحرمة والتفصيل فيها، شعرت أن هنالك كلمات مصطنعة مكررة، ولولا معرفتي الكبيرة برجل مربٍ وخلوق مثل الأستاذ فراس حج محمد لقلت إن هذه القصص هدفها إثارة الشهوات والغرائز فقط.

    فقلت رأيي للكاتب الكبير فراس ومعارضتي لمثل هذه القصص وهذا الأسلوب في الكتابة الأيروتيكية، وبهذا الشكل، خاصة في الأعمال النثرية، ربما لو استُخدمت ألفاظ مفاتن المرأة في الشعر لكان الأمر مختلفاً؛ لأن أي عضو أو جزء من جسد المرأة له دلالته الشعرية والرمزية، فالنهد هو عنوان الحياة والعطاء والاستمرارية في هذه الحياة، والخدّ عنوان من عناوين الجمال وهكذا. وأنا لا أرى أي صور جمالية أو فكرية من تصوير عملية جنسية بكل تفاصيلها أو أوضاعها في كتاب يستهدف مجتمعا عربيا محافظا ومسلماً، ولو صنف هذا الكتاب أنه كتاب جنسي، يستهدف الشباب من أجل هدف تثقيفي وتوعوي لكنت تفهمت ما جاء في الكتاب من وصف مبالغ فيه وصريح لا يخلو من الإثارة والتهويل.

    عندما أخبرت الأستاذ فراس برأيي في هذا الكتاب أخبرني أن هذا واقع، ويحدث كل يوم على صفحات التواصل الاجتماعي، والمصيبة الكبرى أنه يحدث بين فئات الطبقة المثقفة، وهو أراد تعرية هذا الزيف وكشف هذا السلوك، وأنا أصدّق الأستاذ فراس ومقتنع بصدقه ونواياه ولا أشكك في مصداقية صديق عزيز وكاتب كبير ومربٍ جليل، لكن ليس كل شيء شاذ وسلبي تستطيع نشره أو اعتباره ظاهرة. الدعارة أقدم مهنة في التاريخ ومع ذلك تبقى ممارستها منبوذة، وسلوكاً منبوذاً يمارسها من يمارسها في الخفاء وخلف الأبواب المغلقة ولا يخرج للعلن؛ كي يبقى عظيماً ارتكابه، ولا يصبح عادة يومياُ يستهين بها البشر، وبالتالي استسهال هذا الفعل الشنيع. فلا يجوز للكاتب والمثقف أن يسمع بأن تشيع الفاحشة في المجتمع ووصف أي سلوك منبوذ وخاطئ على أنه ظاهرة، وينبغي معالجتها، لذلك أعارض الأستاذ الكبير في هذا أيضاً.

    ربما لو كان الأستاذ فراس يبحث عن الشهرة والأضواء والانتشار لقلت إنه كتب هذا الكتاب من أجل إثارة الناس عليه، وبالتالي إثارة ضجة كبيرة حول الكتاب من أجل الشهرة والترويج للكتاب وإقبال الناس على اقتنائه وزيادة الطلب على الكتاب. فقد لجأ مؤخراً الكثير من الكتاب لمثل هذا الأسلوب؛ الكتابة في الأمور الجدلية والمس بها من أجل إحداث ضجة كبيرة حول المؤلَّف والكاتب، وبالتالي إكسابه شهرة كبيرة والشواهد على ذلك كثيرة، لكن لا أريد أن أذكر أمثلة، لأنه لا مجال للمقارنة بين هؤلاء وبين كاتب كبير صادق مثل الأستاذ فراس حج محمد.

    الأستاذ فراس ليس بحاجة للشهرة واسمه يسبقه دائما، صاحب اسم كبير في عالم الأدب والشهر والنثر والنقد تزخر المكتبة العربية بكتبه وإبداعاته فقد كتب أكثر من أربعين كتاب أثرى بها الثقافة والأدب والنقد والدراسات المهمة. فراس غنيّ عن الشهرة والأضواء، لأنه قامة أدبية وفكرية كبيرة، لكن أعتقد أنه اجتهد وله حق الاجتهاد، وحق إبداء الرأي، وله الحق فيما يكتب وفيما يبدع، وكذلك لنا الحق أن نعارض رأيه.

    أعتقد أنه أخطأ في علاج مثل هذه السلوكيات المنبوذة التي لا تصل بأن تكون ظاهرة. الدعارة والزنا والسلوكيات الخاطئة موجودة في كل المجتمعات، تبقى خاطئة في الظلام، وبالتالي إهمالها وتجاهلها هو العلاج حسب اعتقادي، ربما أختلف مع صديقي فراس في "نسوة في المدينة"، لكن هذا لا يمنع أن أسجل هنا أن الأستاذ فراس كاتب وشاعر وأديب وناقد كبير، وله باع طويل في عالم الأدب وأضاف الكثير للأدب العربي المعاصر، ويستحق أرقى وأثمن الجوائز الأدبية والثقافية للإبداع على مستوى الوطن العربي.

    وهنا أستذكر مقولة أفلاطون: قد أعارضك في كل ما تقول، لكنني مستعد للقتال من أجل أن تقول ما تقول. أنا أعارض الوصف والإثارة في قصص "نسوة في المدينة"، لكن أيضاُ لا بد لي أن أشير أن لغة الأستاذ فراس في كل مؤلفاته الإبداعية لغة تأسر القلوب والعقول، والبنية السردية والنثرية لا تقل جمالاً وبهاءً عن مثيلاتها في البناء الشعري والجمالي لدى الأستاذ الكبير فراس، وكما أسلفت هذا مجرد تسجيل رأي ولست ناقداُ أو باحثاُ بحجم الأستاذ الكبير فراس حج محمد. أتمنى أن يتسع صدر صديقي الكاتب الكبير لهذه المقالة المتواضعة.